News Space
arrow-left
To space news

عالمة إسرائيلية ضمن طاقم سايكي التابع لناسا: "نحن نسافر إلى مكان لا نعرف ما هو بالضبط"

هل أصل النيازك المعدنية التي تسقط على الكرة الأرضية هو أنوية كواكب قديمة؟ تحاول مهمة سايكي التي أطلقتها ناسا الإجابة عن هذا السؤال، وذلك من بين أمور أخرى عبر تحليل مغناطيسي تجريه الدكتورة رونا اورن من MIT.

عوديد كرميلي
25.02.2021
تجسيد فني لمهمة سايكي في الفضاء. صورة: Maxar/ASU/Peter Rubin
تجسيد فني لمهمة سايكي في الفضاء. صورة: Maxar/ASU/Peter Rubin

 

حصلت مهمة سايكي (Psyche) على ضوء أخضر من ناسا للبدء بتجميع القطع المختلفة للمركبة المدارية، قبيل إطلاقها في عام 2022 – وضمن طاقم المهمة توجد أيضاً باحثة إسرائيلية.

 

 

ستكون سايكي مركبة الفضاء الأولى في التاريخ التي تهبط على سطح كويكب معدني – سايكي 16. الكويكب سايكي هو الكويكب المعدني الأكبر ضمن حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، ويأمل الباحثون بأن تلقي المهمة الضوء على سلسلة طويلة من الألغاز العلمية: من نشأة الكواكب السيارة، مروراً بإمكانية وجود حياة على كواكب أخرى، وانتهاء بمسألة منشأ النيازك المعدنية التي تسقط على الكرة الأرضية.

 

 

تقول الدكتورة رونا اورن من قسم علوم الغلاف الجوي والكواكب في المعهد التكنولوجي لماستشوستس (MIT) وعضو طاقم مهمة ناسا: "بحسب التقديرات، يدور في المسار بين المريخ والمشتري بين 700 ألف و 1.2 مليون كويكب، بعضها بحجم لا يتجاوز عدة سنتيمترات، وبعضها بقطر مئات الكيلومترات. نحو 90% من هذه الكواكب صخري، مثل "فيستا" و"كريس"، و10% منها لا نعرف عنه شيئاً. تسمى هذه الكويكبات بالنوع M، لأننا نفترض بحسب طريقة عكسها لضوء الشمس بأنها كويكبات غنية بالمعادن. ولكن تلك مجرد تقديرات فقط. 

حتى اليوم، زارت البشرية عوالم صخرية وعوالم غازية وعوامل جليدية، ولكننا لم نزر أبداً عالماً معدنياً. نحن ببساطة لا نعرف ما الذي سنكتشفه هناك".

 

مصدر النيازك المعدنية التي تسقط على الكرة الارضية

 

كما يظهر من إسمه، سايكي 16 هو الكويكب السادس عشر الذي تم اكتشافه. واكتشفه عالم الفلك الايطالي انيبالا دي جاسبريس عام 1852، وقرر أن يسميه على إسم إلهة النفس الأسطورية اليونانية (من هنا أيضاً تم اشتقاق كلمات مثل سيكولوجيا). سايكي هو الكويكب الأضخم من النوع M، وتشكل كتلته نحو 1% من مجمل الكتلة في حزام الكويكبات. مساحة سطح الكويكب سايكي 16 تقدر بنحو 165،800 كم مربع – تساوي تقريباً مساحة تكساس – وسيحاول طاقم مركبة سايكي التأكد إن لم يكن هذا الكويكب نواة كوكب سيار قديم.

 

Psyche_Mission_Psyche_-Asteroid_180105 (1).jpg

 تجسيد فني للكويكب سايكي 16. الصورة من: ASU/Peter Rubin
تجسيد فني للكويكب سايكي 16. الصورة من: ASU/Peter Rubin

 

 

"قسم كبير من النيازك التي تسقط على الكرة الأرضية هي شظايا كويكبات، وهي تقسم إلى صخرية ومعدنية"، توضح الدكتورة أورن: "يجب أن نفهم أن النيازك المعدنية هي كتل من المعدن النقي. لهذا يُطرح السؤال: كيف تتكون كتلة من الحديد والنيكل مثلاً؟ خاصة وأن الحديد هو مادة نادرة في النظام الشمسي. الشمس نفسها فيها أقل من نسبة مئوية واحدة من الحديد. إذا وجدنا على الكرة الأرضية كتلاً معدنية سقطت من الفضاء الخارجي، فهذا يعني أن هناك عملية قد حصلت وبسببها تركزت هذه المعادن معاً. نمتلك الآن نظرية واحدة فقط لتفسير ذلك وهي أن النيازك المعدنية عبارة عن قطع من أنوية كواكب أخرى. ليس لدينا تفسير آخر لوجود النيازك المعدنية على الكرة الأرضية. من ناحية أخرى، نحن لم نزر بعد كويكباً معدنياً واحداً. وهذا ما دفع ناسا إلى إطلاق مهمة سايكي.


 

كواكب محطمة

 

جاءت مهمة سايكي في أعقاب مقالة من عام 2011 نشرها كل من "ليندي الكينس تانتون" من جامعة أريزونا و"بن فايس" من معهد MIT. عرضت المقالة التي نشرت في مجلة Earth and Planetary Science Letters نظرة جديدة في دراسة النيازك الصخرية. حتى ذلك الحين كان الافتراض بأن النيازك الصخرية هي أجرام بدائية تماماً، وأنها مجرد بقايا من نشوء النظام الشمسي، ولكن "الكينس تانتون" و"فايس" قدما نظرية مختلفة، وهي أن الكواكب المصغرة – وهي كواكب قديمة من العصور الأولى لنشأة النظام الشمسي – مرت بعملية تمايز جزئي لعناصرها: فقد كان حجمها هائلاً بما يكفي لكي تغوص العناصر الثقيلة من المعادن في نواتها، في حين بقي غلافها دون تغيير. هذا الأمر سمح بتكون النيازك الصخرية والنيازك المعدنية من نفس الكوكب القديم: النيازك الصخرية مصدرها الغلاف والنيازك المعدنية مثل سايكي 16، ليست إلا أنوية مكشوفة للكواكب المحطمة.

 

 

في عام 2017 أعلنت ناسا أنها اختارت المركبة المدارية سايكي والمسبار لوسي، لتنفيذ المهمات ديسكفري 13 و 14 بالتتالي. من المتوقع إطلاق سايكي من مركز كينيدي الفضائي في شهر آب 2022 على ظهر صاروخ إطلاق ثقيل من نوع فالكون من شركة "سبيس إكس"، والقيام باندفاع ضد الجاذبية حول كوكب المريخ والوصول إلى الكويكب الغامض عام 2026. وعلى رأس طاقم المهمة ستكون "الكينس تانتون" من جامعة أريزونا، وهي المرة الثانية التي تقود فيها امرأة إطلاق مهمة لناسا نحو جرم فضائي، بينما ستكون الإسرائيلية الدكتورة اورن عضوة في طاقم "فايس" في MIT، والمسؤولة عن نظام رصد المجال المغناطيس الخاص بالمركبة المدارية.

team.jpg

طاقم مهمة سايكي. في الصف الأول وترتدي الجاكيت الأحمر: البروفيسور الكينس تانتون. في الزاوية اليمنى في الأسفل: د. رونا أورن. الصورة من: Hendron/ASU/NASA
طاقم مهمة سايكي. في الصف الأول وترتدي الجاكيت الأحمر: البروفيسور الكينس تانتون. في الزاوية اليمنى في الأسفل: د. رونا أورن. الصورة من: Hendron/ASU/NASA

 

 

"سنكون مسؤولين عن كامل البحث المغناطيسي الخاص بالمهمة، بهدف قياس وتحديد إن كان سايكي 16 يمتلك مجالاً مغناطيسياً". تقول د. اورن. "إذا كانت الفرضيات صحيحة فإن سايكي هو بالفعل نواة كوكب سيار قديم مر بعملية فصل لعناصره ثم فقد طبقاته الخارجية نتيجة لاصطدام، هناك احتمال بأنه توقف عن إصدار مجال مغناطيسي. تنشأ المجالات المغناطيسية فقط عن الكواكب هائلة الحجم، ولذلك لم نجد حتى اليوم مجالاً مغناطيسياً في أي كويكب. لحسن الحظ، تستطيع العناصر المعدنية "تسجيل" المجال المغناطيسي الذي كان عندما برد الكويكب – وهكذا نتمكن باستخدام قياسات الماغنومتر استعادة المجال المغناطيسي الخاص بسايكي".

 

تبعات البحث عن حياة أخرى في الكون

 

المجالات المغناطيسية هي من الأسئلة المفتوحة الأكبر لعلماء الفلك. حدد البرت اينشتاين فهم مصدر المجال كأحد أهم خمسة ألغاز في مجال الفيزياء. بحسب النظرية المعتمدة، فإن المجال المغناطيسي للكرة الأرضية يتشكل في لبها الخارجي، على عمق أكثر من 2900 كم وفي درجة حرارة تفوق 4000 درجة مئوية. الطبقة مكونة بأغلبها من الحديد السائل، وحركة الحديد، والذي هو مادة موصلة كهربائياً، تصنع مجالاً مغناطيسياً عند دوران الكرة الأرضية حول محورها.

 

 

على الرغم من أن قياس العناصر المعدنية في عينات التربة التي تم إحضارها في مهمات أبولو، تبين أن قمرنا أيضاً امتلك مجالا مغناطيسياً في السابق. يختلف العلماء حول كيفية امتلاك جرم سماوي ذي كتلة منخفضة نسبياً مثل القمر مجالاً مغناطيسياً، أو لماذا ومتى اختفى المجال المغناطيسي للقمر. لهذا السؤال تبعات أيضاً على جهود البحث عن حياة خارج الكرة الأرضية. إحدى الفرضيات الرائدة حول المشتري هي أن الكوكب فقد غلافه الجوي بسبب الرياح الشمسية، وتحول مع مرور السنين إلى صحراء جافة وباردة، لأن نواته بردت وتوقفت عن إنشاء مجال مغناطيسي. وفي النهاية، يختلف الباحثون أيضاً حول مسألة إن كان وجود مجال مغناطيسي هو شرط أساسي لوجود الحياة كما نعرفها، وبالتالي فهم يختلفون أيضاً على سؤال إذا كان يتوجب البحث عن الحياة فقط على الكواكب خارج النظام الشمسي القادرة على امتلاك مجال مغناطيسي.

planet.jpg

الكوكب المصغر هائل بما يكفي لامتلاك مجال مغناطيسي ولكن دون أن يتسبب بتغييرات على غلافه، ومنه تتفكك قطع تتحول إلى كويكبات. رسم: Ben Weiss/Damir Gamulin
الكوكب المصغر هائل بما يكفي لامتلاك مجال مغناطيسي ولكن دون أن يتسبب بتغييرات على غلافه، ومنه تتفكك قطع تتحول إلى كويكبات. رسم: Ben Weiss/Damir Gamulin

 

 

تقول الدكتورة اورن: "يحمينا المجال المغناطيسي للكرة الأرضية من الرياح الشمسية والإشعاع الكوني، ويمكن أن يكون الغلاف المغناطيسي للكرة الأرضية هو ما يسمح ببقائنا. إذا اكتشفنا أن سايكي يمتلك بالفعل مجالاً مغناطيسياً، فهي ستكون المرة الأولى التي يقيس فيها البشر غلافاً مغناطيسياً لكويكب، أي بيئة يستطيع من خلالها الكويكب أن يتحكم بالرياح الشمسية ويبعدها، إضافة إلى الظواهر الأخرى التي تميز الغلاف المغناطيسي، مثل التوهج القطبي مثلاً. نحن لن نصل أبداً إلى نواة الكرة الأرضية، ولكن يمكن أن يسمح لنا سايكي بإلقاء نظرة على نواة معدنية، وفهم الشروط الأولية المطلوبة لامتلاك مجال مغناطيسي في الكون – مع التبعات المصيرية لذلك على مسألة البحث عن حياة في الكون".

 

حل الأحجية الأكبر في النظام الشمسي

 

بالطبع، إذا اكتشفت المركبة المدارية أن النيزك هو بالفعل نواة معدنية وممغنطة لكوكب قديم، سيبرز تساؤل آخر حول ما حدث لهذا الجرم السماوي القديم.

 

 

تقول د. أورن: "هناك اعتقاد بأن حزام الكويكبات كان من المفترض أن يكون كوكباً، ولكن وجود كوكب المشتري لم يسمح بتكونه عبر التجاذب الناجم عن التصادمات حينما يقترب جسم من جسم آخر في كل مرة ويصطدم به بقوة. ما يهمنا هو معرفة إذا كان هذا الجرم الفضائي، أو الأجرام العديدة، هي مصدر الكويكبات في حزام الكويكبات، وبالتالي أيضاً مصدر بعض النيازك التي نراها على الكرة الأرضية، معدنية كانت أم صخرية. يمكن أن يعلمنا الكويكب سايكي عن الوتيرة التي تتكون بها الكواكب، وعن خصائصها وتطورها: في أي من مرحلة يبدأ كوكب مثل الكرة الأرضية بفصل مكوناته وامتلاك مجال مغناطيسي".

 

 

بعد أن وصلت البشرية إلى أنحاء النظام الشمسي، تستثمر وكالات فضاء في أنحاء العالم في السنوات الأخيرة موارد أكبر في دراسة الأجسام الأصغر في النظام الشمسي، مثل الكواكب القزمة والأقمار والمذنبات والكويكبات. وبحسب الدكتورة اورن، فهذه الجهود هي موضع ترحيب.

 

 

بحلول ثمانينيات القرن الماضي كنا قد وصلنا فعلاً إلى جميع الكواكب السيارة، وباستثناء اورانوس ونبتون كررنا زيارتها أيضاً. كانت تلك حقبة رائدة، لأننا لم نكن نعرف ما يوجد هناك بالمرة – وأردنا فقط أن نحصل على سبق علمي. الحافز العلمي كانت عالياً جداً، وأنا أعتقد أنه واضح أيضاً في الجيل الجديد من المهمات نحو الأجرام الصغيرة. إذا انصب اهتمامناً في الماضي على الكواكب في الأساس، فإننا اليوم ندرك أن النظام الشمسي هو مجموعة متنوعة من الأجسام الكبيرة والصغيرة، وكل منها هو قطعة من أحجية هائلة حول تطور كواكبنا. عندما نكتشف نحن البشر أمراً مختلفاً، نرغب فوراً في الوصول إليه. سايكي 16 هو كويكب مختلف. نحن لا نعرف حتى إن كان معدنياً – وربما يدحض ما سنكتشفه جميع فرضياتنا. في الواقع، في اللحظة التي أعلنت فيها ناسا عن المهمة، وجهت تلسكوبات أكثر وأكثر عدساتها نحو سايكي 16، ولكن كلما نظرنا إليه أكثر فهمناه أقل. نحن نسافر إلى مكان لسنا مدركين ما هو بالضبط – وهذا ما يجعل الأمر مثيراً".